سورة البقرة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {أُولَئِكَ الِّذِينَ اشْتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} الضلالة: الكفر، والهدى: الإيمان.
وفي قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه على حقيقة الشراء فكأنهم اشتروا الكفر بالإيمان.
والثاني: أنه بمعنى استحبوا الكفر على الإيمان، فعبر عنه بالشراء، لأن الشراء يكون فيما يستحبه مشتريه، فإما أن يكون على معنى شراء المعاوضة فعلاً، لأن المنافقين لم يكونوا قد آمنوا، فيبيعوا إيمانهم.
والثالث: أنه بمعنى أخذوا الكفر وتركوا الإيمان، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
{فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وما كانوا مهتدين، في اشتراء الضلالة.
والثاني: وما كانوا مهتدين إلى التجارة التي اهتدى إليها المؤمنون.
والثالث: أنه لما كان التاجر قد لا يربح، ويكون على هدى في تجارته نفى الله عنهم الأمرين من الربح والاهتداء، مبالغة في ذمهم.


قوله عز وجل: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} المثل بالتحريك والتسكين، والمَثَل بالتحريك مستعمل في الأمثال المضروبة، والمِثْل بالتسكين مستعمل في الشيء المماثل لغيره.
وقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أراد كمثل الذي أوقد، فدخلت السين زائدة في الكلام، وهو قول الأخفش.
والثاني: أنه أراد استوقد مِنْ غيره ناراً للضياء، والنار مشتقة من النور.
{فَلَمَّا أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ} يقال ضاءت في نفسها، وأضاءت ما حولها قال أبو الطمحان:
أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ *** دُجَى الَّليْلِ حَتَّى نَظَّمَ الْجِزْعَ ثَاقِبُهْ
قوله عز وجل: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: نور المستوقِد، لأنه في معنى الجمع، وهذا قول الأخفش.
والثاني: بنور المنافقين، لأن المثل مضروب فيهم، وهو قول الجمهور.
وفي ذهاب نورهم وجهان:
أحدهما: وهو قول الأصم ذهب الله بنورهم في الآخرة، حتى صار ذلك سمةً لهم يُعْرَفُونَ بها.
والثاني: أنه عَنّى النور الذي أظهروه للنبي صلى الله عليه وسلم من قلوبهم بالإسلام.
وفي قوله: {وَتَرَكَهُمْ في ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ} قولان:
أحدهما: معناه لم يأتهم بضياء يبصرون به.
والثاني: أنه لم يخرجهم منه، كما يقال تركته في الدار، إذا لم تَخرجْهُ منها، وكأنَّ ما حصلوا فيه من الظلمة بعد الضياء أسوأ حالاً، لأن من طُفِئَت عنه النار حتى صار في ظلمة، فهو أقل بصراً ممن لم يزل في الظلمة، وهذا مَثَل ضربه الله تعالى للمنافقين.
وفيما كانوا فيه من الضياء، وجعلوا فيه من الظلمة قولان:
أحدهما: أن ضياءهم دخولهم في الإسلام بعد كفرهم، والظلمة خروجهم منه بنفاقهم.
والثاني: أن الضياء يعود للمنافقين بالدخول في جملة المسلمين، والظلمة زوالُهُ عنهم في الآخرة، وهذا قول ابنِ عباسٍ وقتادةَ.
قوله تعالى: {صَمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} وهذا جمع: أصم، وأبكم، وأعمى، وأصل الصَّمَمُ الإنسداد، يقال قناة صماء، إذا لم تكن مجوفة، وصممت القارورة، إذا سددتها، فالأصم: من انسدَّتْ خروق مسامعه.
أما البَكَمُ، ففيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه آفة في اللسان، لا يتمكن معها من أن يعتمد على مواضع الحروف.
والثاني: أنه الذي يولد أخرس.
والثالث: أنه المسلوب الفؤاد، الذي لا يعي شيئاً ولا يفهمه.
والرابع: أنه الذي يجمع بين الخَرَس وذهاب الفؤاد.
ومعنى الكلام، أنهم صمٌّ عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عُمْيٌ عن الإبصار له، رَوَى ذلك قتادة، {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} يعني إلى الإسلام.


قوله عز وجل: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبَرْقٌ} في الصيِّبِ تأويلان:
أحدهما: أنه المطر، وهو قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني: أنه السحاب، قال علقمة بن عبدة:
كَأَنَهَّمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ *** صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ
فَلاَ تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمِّرٍ *** سُقِيتِ غَوَادِي الْمُزنِ حِينَ تَصُوبُ
وفي الرعد ثلاثة أوجه: أحدها:
أنه مَلَكٌ ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه، فَسُمِّيَ الصوتُ رعداً باسم ذلك المَلك، وبه قال الخليل.
والثاني: أنه ريح تختنق تحت السحاب فَتُصَوِّبُ ذلك الصوت، وهو قول ابن عباس.
والثالث: أنه صوت اصطكاك الأجرام.
وفي البرق ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ضرب الملك الذي هو الرعد للسحاب بمخراق من حديد، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثاني: أنه ضربه بسوطٍ من نور، وهذا قول ابن عباس.
والثالث: أنه ما ينفدح من اصطكاك الأجرام.
والصواعق جمع صاعقة، وهو الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار، تحرق ما أتت عليه.
وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل:
أحدها: أنه مَثَلٌ للقرآن، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل، وهذا المعنى عن ابن عباس.
والثاني: أنه مَثَلٌ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.
والثالث: أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلاً بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بصلابته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.
قوله عز وجل: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} معناه يستلبها بسرعة.
{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِم قَامُوا} وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمنافقين، وفيه تأويلان:
أحدهما: معناه كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، وإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه.
والثاني: معناه كلما غنموا وأصابوا من الإسلام خيراً، اتبعوا المسلمين، وإذا أظلم عليهم فلم يصيبوا خيراً، قعدوا عن الجهاد.
قوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} فالمراد الجمع وإن كان بلفظ الواحد. كما قال الشاعر:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا *** فَإِنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8